ماذا سيتعلم أحفادنا؟
علمونا في الكتاتيب حين كنا صغارًا أن يحترم الصغير الكبير، ويعطف الكبير على الصغير.
نشأنا على القيم، لا على الشاشات. تربّينا على الحياء، لا على الجرأة المجانية.
حملنا هذا النور معنا، ونقلناه لأبنائنا... والآن، وقد بلغنا عتبة السبعين، نتساءل بقلقٍ صادق:
ماذا سيتعلم أحفادنا من آبائهم؟
سؤال لا يحمل اللوم فقط، بل الخوف أيضًا.
هل سيتعلم الأحفاد احترام الكبير، أم سيظنونه مجرّد عائق أمام سرعة الحياة؟
هل سيتعلمون الصبر، أم يختصرون كل شيء في “تمرير إصبع” على شاشة؟
هل سيعرفون قيمة العائلة، أم يصبحون أوفياء لأجهزتهم أكثر من أقاربهم؟
يقولون لنا اليوم: "زمانكم ولى، ولا يصلح لهذا الزمان."
لكنهم لا يدركون أن ما ولى ليس زماننا، بل قيمه.
فهل تقدُّم الزمان يعني أن يُستغنى عن الصدق؟
هل تطور التقنية يبرّر موت الاحترام؟
إن كان الزمان الحديث يُقصي الحياء ويستبدله بالضجيج، فذاك ليس تطورًا، بل خسارة متحضرة.
زماننا كان بسيطًا، نعم...
لكنه علّمنا الرضا، والرحمة، والمروءة، وكلمة الشرف.
لا نرفض الجديد، لكننا لا نقبل أن يكون على حساب الجذور.
فمن ينسى جذوره، يتوه مهما بلغ.
وإن غفل بعض الآباء اليوم عن دورهم،
فما زال بإمكان الأجداد أن يُعلّموا — لا في الكتاتيب فقط، بل في حضن العائلة، وفي هدوء الموعظة، وفي دفء المثل.
الزمن يتغير، نعم…
لكن الخير لا يُهزم،
والقيم لا تَشيخ،
وأنتم — من حمل الشعلة — أنتم ضمير الزمان، لا بقاياه.
السبت، 20 سبتمبر 2025
ماذا سيتعلم أحفادنا
سوريا ليست وطنًا نعيش فيه فحسب
سوريا ليست وطنًا نعيش فيه فحسب، بل هي نبضٌ يسري في عروقنا، وذكرى لا يغيب عنها القلب، ومجدٌ كتبه الأجداد بدمائهم على حجارة الزمن. هي التاريخ والحضارة، هي الأرض التي تنبت من شقوقها الياسمين رغم الحصار.
في سوريا، تتشابك أصوات الأذان مع أجراس الكنائس، ويختبئ السلام خلف كلّ زاوية تاريخ، من قلعة حلب إلى أسواق دمشق القديمة. هي الأرض التي إن سقطت... تنهض. وإن انكسر ظهرها، رمّمه أهلها بالصبر.
سوريا يا وطن الكبرياء، يا وجه الياسمين رغم كل الدخان، نحن أبناءكِ ما حيينا، وحبكِ فينا لا تشوبه محنة ولا تشوّهه خيبات.
في كلّ غربة، نشتاق لرائحة الخبز السوري، لضحكة الجيران، لزحمة الأسواق، لصوت صباحات الشام وهي تستيقظ على فيروز.
وفي كلّ صلاة، دعاء لسوريا... أن تعود كما كانت، بل أجمل.
سوريا باقية، ما بقي الياسمين... وما بقي الحنين.
صرتُ على مشارف السبعين
صرتُ على مشارف السبعين،
وقلبي ما زال يعيش بين بقايا الأمس وصرخات الحاضر،
بين ضحكات طفولة لم تلوثها الشاشات،
ووجوه أصدقاء المدرسة الذين صاروا صوراً في الذكريات.
كانت تربيتنا كنسيم الصباح، نقيّة، رقيقة،
الأهل علمونا أن الاحترام قبل الكلام،
وأن الكلمة الطيبة أرقى من أي ثروة،
وأن الجلوس على الأريكة بلا إذن، أو طلب ما نشتهي من الطعام،
كان محرمًا ليس خوفاً بل التزاماً بالقيم.
المدرسة كانت وطننا الثاني،
رفاق الصف كانوا إخوتنا،
نكتب على دفاترنا ونرسم على الهامش أحلاماً صغيرة،
نحملها معنا في طرقات الحي، نشارك الضحك والسرّ،
ونتعلم أن العلم أمانة قبل أن يكون مفتاحاً للحياة.
أما اليوم…
فالأجيال تمضي بخفة بلا احترام،
والقيم تتبدد أمام أعيننا،
والوقاحة صارت طبيعة،
والهواتف تسلخ القلوب من الطهر،
والمواقع تُعرض الرذيلة على أنها حضارة،
تشوه الذوق، وتخدش الرقي الذي عرفناه،
فتقف الذكريات عاجزة أمام هذا الانقلاب.
زرتُ بلاداً كثيرة، شاهدت حضارات عظيمة،
العراق، المجر، اليابان، ألمانيا، اليونان وتركيا…
ورأيت الإنسان يبني ويصنع،
لكنه في بعض البيوت، بين شاشات التواصل، ينسى ما علّمه الأجداد،
فيندثر احترام المعلم، ويذبل حياء الأبناء،
وتضيع البراءة كما يضيع ظل الشمس عند الغروب.
رغم هذا، يبقى الحنين لي،
يزهر في قلبي مع كل نسمة تراب من حارتنا القديمة،
ومع كل صوت جرس مدرسة، ومع كل ضحكة أصدقاء صادقة،
وكأن الأيام الماضية تقول لي:
"نمشي معك… وإن غبنا، نحن ما زلنا هنا في قلبك."
آه… يا زمن الطهر، يا حضارة الضمير،
لو عدت ولو للحظة، لنشعل في القلوب شمعة احترام،
ولنعود إلى البساطة التي تصنع الإنسان قبل كل شيء،
فحتى ونحن على مشارف السبعين،
لا زلنا نحلم ببيت مليء بالقيم،
وبأصدقاء يحملون الضحك والكرامة،
وبعالم لا يُقاس بعري الشاشات، بل بصدق القلوب ونقاء الوجوه.
الاثنين، 1 سبتمبر 2025
خاطرة
هناك أناس يمرّون في حياتنا كنسمة ربيع، لا يتركون وراءهم إلا العطر والراحة. أشخاص لا تقتصر قيمتهم على ما يقدمونه من فعل، بل على ما يحملونه في قلوبهم من محبة وصدق وإخلاص. هؤلاء هم الذين تليق بهم الهدايا النادرة، ويستحقون أن نغزل لهم الكلمات كما نغزل الورود في باقة.
الزهور ليست مجرد أوراق ملوّنة أو عطر يفوح، بل هي رسالة صامتة تقول: "أنت تستحق الجمال". وهي حين تُهدى إلى من يستحق، تصبح رمزًا للامتنان، وشكرًا ناطقًا لكل لحظة دعم أو ابتسامة أو تضحية قدّموها.
في عالم يمتلئ بالضوضاء والمشاغل، يندر أن نجد من يمنح وقته ليصغي، أو يفتح قلبه ليواسي، أو يشارك لحظة فرح وكأنه يعيشها بنفسه. هؤلاء هم من نقول لهم: لمثلكم تُهدى الزهور، لأنهم في حقيقتهم زهور تمشي على الأرض، تزرع الفرح في القلوب وتترك الأثر الطيب في الأرواح.
إن إهداء زهرة قد يبدو أمرًا بسيطًا، لكنه يحمل في معناه تقديرًا عميقًا لا يُقاس بثمن. فكما تحتاج الزهور إلى عناية لتنمو وتزهر، يحتاج الإنسان إلى التقدير ليزدهر ويواصل عطاؤه.
فلنحتفظ بهذه العادة الجميلة، لا بالزهور وحدها، بل بالكلمات الطيبة والمواقف النبيلة، فهي أزهار أخرى لا تذبل، تبقى عالقة في الذاكرة، ترويها الأيام وتفوح رائحتها في القلوب مهما طال الزمن.