صرتُ على مشارف السبعين،
وقلبي ما زال يعيش بين بقايا الأمس وصرخات الحاضر،
بين ضحكات طفولة لم تلوثها الشاشات،
ووجوه أصدقاء المدرسة الذين صاروا صوراً في الذكريات.
كانت تربيتنا كنسيم الصباح، نقيّة، رقيقة،
الأهل علمونا أن الاحترام قبل الكلام،
وأن الكلمة الطيبة أرقى من أي ثروة،
وأن الجلوس على الأريكة بلا إذن، أو طلب ما نشتهي من الطعام،
كان محرمًا ليس خوفاً بل التزاماً بالقيم.
المدرسة كانت وطننا الثاني،
رفاق الصف كانوا إخوتنا،
نكتب على دفاترنا ونرسم على الهامش أحلاماً صغيرة،
نحملها معنا في طرقات الحي، نشارك الضحك والسرّ،
ونتعلم أن العلم أمانة قبل أن يكون مفتاحاً للحياة.
أما اليوم…
فالأجيال تمضي بخفة بلا احترام،
والقيم تتبدد أمام أعيننا،
والوقاحة صارت طبيعة،
والهواتف تسلخ القلوب من الطهر،
والمواقع تُعرض الرذيلة على أنها حضارة،
تشوه الذوق، وتخدش الرقي الذي عرفناه،
فتقف الذكريات عاجزة أمام هذا الانقلاب.
زرتُ بلاداً كثيرة، شاهدت حضارات عظيمة،
العراق، المجر، اليابان، ألمانيا، اليونان وتركيا…
ورأيت الإنسان يبني ويصنع،
لكنه في بعض البيوت، بين شاشات التواصل، ينسى ما علّمه الأجداد،
فيندثر احترام المعلم، ويذبل حياء الأبناء،
وتضيع البراءة كما يضيع ظل الشمس عند الغروب.
رغم هذا، يبقى الحنين لي،
يزهر في قلبي مع كل نسمة تراب من حارتنا القديمة،
ومع كل صوت جرس مدرسة، ومع كل ضحكة أصدقاء صادقة،
وكأن الأيام الماضية تقول لي:
"نمشي معك… وإن غبنا، نحن ما زلنا هنا في قلبك."
آه… يا زمن الطهر، يا حضارة الضمير،
لو عدت ولو للحظة، لنشعل في القلوب شمعة احترام،
ولنعود إلى البساطة التي تصنع الإنسان قبل كل شيء،
فحتى ونحن على مشارف السبعين،
لا زلنا نحلم ببيت مليء بالقيم،
وبأصدقاء يحملون الضحك والكرامة،
وبعالم لا يُقاس بعري الشاشات، بل بصدق القلوب ونقاء الوجوه.
السبت، 20 سبتمبر 2025
صرتُ على مشارف السبعين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق